الأحد، 1 يناير 2012

{{ ميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام } }}

بسم الله الرحمن الرحيم *** وبعد . . ميلاد المسيح عيسى بن مريم . أن مريم لما جعلتها أمها محررة تخدم بيت المقدس وأنه كفلها زكريا وأنه اتخذ لها محراباً وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سواه ، أن مريم خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها وبأنه سيهب لها ولداً زكياً يكون نبياً طاهراً مكرماً مؤيداً بالمعجزات فتعجبت من وجود ولد من غير والد لأنها لا زوج لها فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على مايشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت الأمر لله وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها ، فبينما هي يوماً قد خرجت لبعض شؤونها " وانتبذت " أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل " فتمثل لها بشراً سوياً " فلما رأته " قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً " فخاطبها الملك " قال إنما أنا رسول ربك " أي لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليكى " لأهب لك غلاماً زكياً " أي ولداً زكياً " قالت أنى يكون لي غلام " أي كيف يكون لي غلام " ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً " أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة " قال كذلك قال ربك " أي وعد أنه سيخلق منك غلاماً ولست بذات بعل ولا تكونين ممن تبغين " هو علي هين " أي وهذا سهل عليه ويسير لديه فإنه على ما يشاء قدير . وقوله " ولنجعله آية للناس " أي ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلا على كمال قدرتنا على أنواع الخلق فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى وقوله " ورحمة منا " أي نرحم به العباد بأن يدعوهم إلى الله في صغره وكبره في طفوليته وكهوليته بأن يفردوا الله بالعبادة وحده لاشريك له وينزهوه عن اتخاذ الصاحبة والأولاد والشركاء والنظراء والأضداد والأنداد وقوله " وكان أمراً مقضياً " أن هذا أمر قضاه الله وحتمه وقدره وقرره ، " فنفخنا فيه من روحنا " " فحملته " أي فحملت ولدها " فانتبذت به مكاناً قصياً " وذلك لأن مريم لما حملت ضاقت به ذرعاً وعلمت أن كثيراً من الناس سيكون منهم كلام في حقها ، أن مريم لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك زكريا فعرض له ذات يوم في الكلام فقال يامريم هل يكون زرع من غير بذر ؟ قالت نعم فمن خلق الزرع الأول ثم قال فهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت نعم الله خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى قال لها فأخبريني خبرك فقالت إن الله بشرني " بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين " . قالت مريم كنت إذا خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني ، أنها حملت به تسعة أشهر كما تحمل النساء ويضعن لميقات حملهن ووضعهن " فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً * فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " دليل على جواز تمني الموت عند الفتن وذلك أنه علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو كانت " نسياً منسياً " أي لم تخلق بالكلية . وقوله " فناداها من تحتها " وقرىء من تحتها على الخفض وفي الضمير قولان أحدهما أنه جبريل والثاني انه ابنها عيسى وقوله " أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " قيل النهر " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً " فذكر الطعام والشراب ولهذا قال فكلي واشربي وقري عيناً " كانت نخلة مثمرة ، لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الامتنان " تساقط عليك رطباً جنياً " ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب ، عن على ابن أبي طالب قال قال رسول الله " أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح غيرها "  . أن رسول الله قال " أطعموا نساءكم الوالد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " . وقوله " فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا " وهذا من تمام كلام الذي ناداها من تحتها قال " كلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحداً " أي فإن رأيت أحداً من الناس " فقولي " له أي بلسان الحال والإشارة " أني نذرت للرحمن صوما " أي صمتاً وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام ويدل على ذلك قوله " فلن أكلم اليوم إنسيا " فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلى الليل . وقوله تعالى " فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً * ياأخت هارون ما كان أبوك امرأسوءٍ وما كانت أُمك بغياً " .أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها " قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فرياً " والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال ثم قالوا لها " ياأخت هارون "  الإقتداء ،نسبوها إلى هارون النبي  " ما كان أبوك امرأسوء وما كانت أمك بغياً " أي لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم ولا أخوك ولا أمك ولا أبوك فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء ، فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال عظم التوكل على ذي الجلال ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال " فأشارت إليه " أي خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه فعندنا " قالوا " من كان منهم جباراً شقياً " كيف نكلم من كان في المهد صبياً " أي كيف تحيلينا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب وهو مع ذلك رضيع في مهده ولا يميز بين محض وزبده وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والنقص لنا والازدراء إذ لا تردين علينا قولاً نطقياً بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبياً فعندها " قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً * وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً * والسلام علّي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حياً " . هذا أول كلام تفوه به عيسى ابن مريم فكان أول ما تكلم به أن " قال إني عبد الله " اعترف لربه بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله بل هو عبده ورسوله وابن أمته ثم برأ أُمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله " آتاني الكتاب وجعلني نبياً " فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا كما قال الله " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً " وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبياً مرسلاً أحد أُولي العزم الخمسة من الرسل ولهذا قال " وجعلني مباركاً أينما كنت " وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس " وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً * وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً " أي وجعلني براً بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها فسبحان من خلق الخليقة وبرأها وأعطى كل نفس هداها " ولم يجعلني جباراً شقيا " أي لست بفظ ولا غليظ ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته " والسلام علّي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً " ثم لما ذكر تعالى قصته على الجلية وبين أمره ووضحه وشرحه قال " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون " يعني من أنه عبد مخلوق من امرأة من عباد الله ولهذا قال " ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون " أي لا يعجزه شيء ولا يكربه ولا يؤوده بل هو القدير الفعال لما يشاء " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " وقوله " أن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " هو من تمام كلام عيسى لهم في المهد أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه وإلههم وأن هذا هو الصراط المستقيم . عن عبادة ابن الصامت عن رسول الله قال " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " . ((آخر دعوانا الحمد لله ربّ العالمين )) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق